عاقر , لا أمل لها في الإنجاب , هذه أنا .. لن أكـــــون أما كبقية النساء .. سبع سنوات مرت علي وعلى زوجي باردة مثل ليالي الشتاء .. جافة مثل أرض قاحلة .. وهادئة مثل أي شيء مهجور ..
سبع سنوات حرمنا فيها من الأطفال .. حرمنا من أجمل الأصوات إزعاجا .. حرمنا فيها من طفل يكبر أمامنا نعلمه المشي والكلام ..
وقاسينا الكثير .. وعانيت أنا أكثر لأنني السبب في كل هذا .. ولكن ما ذنب زوجي ليقاسي معي .. ولأنه رائع في كل شيء قررت أن أضحي من أجله .. وبعد تفكير طويل بعيدا عن الأنانية وحب الذات ومن باب الحب الصادق القادر على التضحية .. غرزت سكينا بقلبي .. وذهبت إليه بقلب قتل للتو .. أتيته صامدة .. شامخة .. آمرة .. قلت له تزوج .. فلك الحق في أن تكون أبا .. قلتها دون أن يعلم أني حاربت هواي وقلبي .. وأخبرته أني لا مانع في أن يملك زوجة أخرى علها تكمل النقص الذي أنا به .
اعترض ورفض .. ومرت الأيام وأنا لا يهدأ لي بال .. أتصيد اللحظات .. لأفاتحه في ذات الموضوع .. وبإرادتي القوية وإلحاحي الشديد أقنعته .. وجدته يجيبني بخجل وأنا فرحت بموافقته ولم ألحظ وقتها أنني تنازلت عن قلبي .
قرر الزواج من قريبة له .. استشارني فيها .. وتركت له الخيار ..
وجاء اليوم الموعود .. رأيته يتأهب ويحسن من هيئته وكأنه شاب في العشرين لكني تفهمت اهتمامه فله الحق في كل ما يفعل .. رجاني أن أحضر زفافه لكني قررت البقاء في البيت وودعني ليلقاني بعد شهر .. وخرج , وخرجت معه حياتي وذكرياتي , خرجت معه أحلامي وأمنياتي وسعادتي وكل لحظة ضمتنا معا وافترق فيها جسدانا لأول مره في عمرنا .
بقيت وحدي أصارع قلبي وعقلي , فلا انتصر قلبي .. ولا انتصر عقلي .. بت تلك الليلة وصورته بين أحضاني , وطيفه مقيم بأحلامي وصحوت لأول مره لأجد سريره خاويا باردا لم يلمسه أحد .. نظرت لمكانه الخالي وصرخت باكية وأطبقت على فمي بمخدتي لأكبت أنات صوتي وأخنق حزن حنجرتي فلا تسمعها أذن
الآن عرفت أن زواجه سيحطمني ويدمر في أجمل محاسني , سيدمر في تفاؤلي وابتسامتي وكل حناني ..
وجاءني بعد شهر كامل من الفراق , جاءني بوجد وشوق , جاءني لاهثا متلهفا وهاله ما رأى مني , هاله النحول الذي أصابني , هاله إرهاق عيني وذبول ابتسامتي هاله وأرعبه كل هذا ..
فأسمعني أعذب الكلمات فغسل كل همومي وكل أحزاني وجدد في مشاعري , وأعاد لي نفسي التي تألمت , وقلبي الذي مات منذ شهر
عاد ينبض ..
وفي جلسة هادئة , وضعنا الاتفاق المعهود القائم على العدل في المعاملة والحقوق , وتركت له قلبه يضعه في الموضع الذي يريد
سألته ما يوجبه عليه ضميره , فلا يقصر في أي شيء لكلينا ودعوت له بابن صالح وتحققت دعوتي ..
وصار أبا بعد بضعة أشهر , وفرح بأبوته الجديدة وتعلق بصغيره فأصبح هواه الوحيد , أصبح محور حديثنا فتاه الصغير وبراءته وطفولته التي لا يريد أن يضيع أي لحظة منها .. يحمل صورته معه وكأنه لا يطيق فراقه لبضع يوم , وبين الحين والآخر يهاتف بيته الآخر , وشيئا فشيئا تغير كل شيء , والسبب ابنه الرائع , فأصبحت أكره عشقه الجديد .. ليس حقدا مني ولا غيرة وإنما خوفا على مكانتي عنده .. تلك المكانة التي تلاشت معالمها ولم أعد أراها كما كنت أفعل .. وقلت هو بشر وفرحته التي هو بها لا تقدر بثمن
وازداد إهمالا لي بقدر ما ازداد اهتماما بطفله ..
فحين يكون معي يطالع ساعته ينتظر مرور الوقت , يتملل في جلسته , وأخيرا يتناعس لينام .. عادل في الشكليات فقط , ولا يحاول أبدا تعويض غيابه عني بكلمة حب جميلة , أحاول خلق حديث بيننا فيصمت , فشلت كل محاولاتي لإيقاظ بذرة الحب النائمة بداخله , وفشلت في إيجاد أي حوار معه أنظر في عينيه ليقرأ رسائل عيني كما كان يفعل دائما لكنه لم يفهم ما أقول .. وأظنه صار أعمى لا يرى مني شيئا .. غيرته الأيام وبدلت أحواله وفرح بقلب أب وبهذا خسرته للأبد ..
ومرت سنتان , صبرت فيهما على زوجي واحتملته , ولامني الكثيرون ولم أكن لهم أذنا صاغية فقد وددت لو يعود لرشده , تمنيت لو يعود لي .. تمنيت لو لم يجرحني ويؤلمني بإهماله ..
في إحدى الليالي .. أيقظنا رنين الهاتف , وقام زوجي بتثاقل ليجيب وبعدها صرخ ليسمع كل الآذان ( رزقت بطفلة ) وارتدى ملابسه على الفور وخرج وأنا لم تعن لي فرحتي شيئا ..
واستعدت في لحظة شريط أيامي معه , وقررت أن انسحب بهدوء من حياته ورأيت أن اسأله طلاقا وفراقا أبديا , قررت أن أمزق الخيط الذي يربطنا , أمزقه بيد ترتعش .. ظن أن قلبي الذي سمح له بالزواج سيسمح له بأن أكون على هامش حياته .
وعدت لبيتي القديم حامله حقيبتي والماضي وذكرياتي .. عدت أعترف , بأنه لم يهزمني شيء لا هو ولا ظروفي ولا عقمي ولا المرأة الأخرى .. هزمني طفل لا حول له ولا قوة , اتصل زوجي كالمجنون يبحث عني , وتقول أمي أنه بدأ قلقا علي لكني ضحكت من أعماقي أسخر من قلقه المفتعل ..
وبعد يومين سمعت طرقا على الباب وفتحت فإذا بزوجي أمامي ويحمل بين يديه طفلة ..
قال : حين صرت أبا أنستني فرحتي كل شيء حتى أعظم زوجة في الوجود .. أنستني تلك التي ضحت من أجلي ولم أقدر فعلها
فجئت اليوم مع فرحتي نعتذر سويا عن كل أخطائنا فهل تسامحينا ؟
ونظر لي نظرة أحببتها فيه ودفع طفلته إلي لأحملها ووضعها بين يدي وحملتها لا أدري كيف .. لكني فعلت , حملتها وكأني أخشى عليها من التهشم في يدي صغيرة , ضئيلة , تحتاج كل عون كي تحيا وتعيش .. أتحسس بحذر وجهها ويديها وقدميها .. ودون أن أدري قربتها مني وقبلتها ..
وعذرت زوجي حالما نمسك هكذا طفل .. ينمو بداخلنا حب جديد
ويهون بقلبنا أي حب سواه ..
وقال : أسميناها ندى فدمعت عيني .. فمنتهى الوفاء أن تسمى طفلته باسمي ..
منقوووووووووووووول